Saturday, September 27, 2008

ملف الإيدز لم. ,يُقفل بعد... أطفال الإيدز..., ما بعد التعويض


صحيفة قورينا/هند الهوني وهاجر بن جلول: بحثنا عليهم فوجدنا دموعاً  وهموماً  لا تنتهي  محملة بهول المأساة،  كان لقاء بلا موعد ....  تلك الجدران التي  احتوتنا داخل مركز بنغازي  للأمراض السارية والمناعة شاهد عيان على فصول الحكاية التي  تُعبر عن مشاعر الآباء والأمهات في  إصابة فلذات أكبادهن بهذا الداء الوبيل الذي  كان جراء عمل شيطاني  استهدف براءتهم وصحتهم وحياتهم،حيث  تم تعويض كل طفل مصاب بمبلغ  وقدره  " مليون وثلاث مئة ألف دينار ليبي  " ،  ولأن  الفعلة كبيرة وأطرافها كثيرة،  فضلنا  الخوض في جانب التعويض.
هل كان نعمة أم نقمة؟ وهل أشفى  غليل صدورهم؟  
أيوب  – الذي  يبلغ  من العمر9  سنوات و  يدرس في  الصف الرابع الابتدائي،  يأتي  في  الترتيب ما قبل الأخير من أفراد الأسرة ويقطن منطقة البريقة‬،  وجدناه طريح الفراش في  مركز الأمراض السارية والمناعة ببنغازي،اقتربنا من والدته التي  حدثتنا عن سبب دخول زبنها أيوب المستشفى فقالت " تعرض أيوب إلى وعكة صحية نتيجة خطأ إحدى الممرضات في  استعمال المحلول الذي  أصبح  يسري  في  جلده وسبب له الالتهاب  حيث كان من المقرر سفره إلى اليمن للعلاج بالرغم مما  يتداول بين الأسرة أنه لايوجد علاج فعلي له‬،  وأعتبر أن هذا المبلغ  قليل جدا ولا  يعوضني  عن ابني  المصاب ولكن ماذا نفعل؟ .
هل  يعلم أيوب بطبيعة مرضه والمبلغ  الذي  أخذه؟
نعم ... يعلم بذلك ولكن تم تجميد المبلغ  في  المصرف ضمن حسابه الخاص بالرغم من متطلباته الطفولية في شراء سيارة و ما إلى ذلك .
هل فكرتم في  إنشاء بعض المناشط الخاصة بهم مثل النوادي ... ؟ 
أتمنى عمل هذا المقترح ولكن لا  يوجد تآزر فيما بين أسر المصابين بمعنى لو تمت موافقة أسرتين أو ثلاثة والباقي  لا  يوافقون،  كما أن أماكن وجود الأسر مختلفة ومتباعدة فهناك من  يقطن بمنطقة البريقة والآخر في البيضاء والثالث في  بنغازي  لذلك من الصعب  التعاون لإنشاء  مثل هذه المناشط  فنحن لسنا من منطقة واحدة .
رواد  – أحد الأطفال المصابين وهو من دار الرعاية  
دخل المستشفى منذ  يومين وذلك لألم في  صدره،  ونظرا لعمره الذي  لا  يتجاوز  10  سنوات رأينا أن نتحدث مع مرافقته وهي  إختصاصية اجتماعية من الدار التي  ذكرت لنا بأن حالة رواد الثانية في  الدار وإجمالي  المبلغ في  حسابه الخاص .  
وجهنا سؤالاً  إلى رواد ... ما هي  هوايتك ؟
أحب أن أكون لاعب كرة مشهور مثل  "" زين الدين زيدان ""
تركنا رواد والأمل  يبرق من عينيه في  الشفاء وتحقيق حلمه وتوجهنا إلى الغرفة المجاورة فوجدنا  " فرج عياد  " مُلقى على السرير بجسده الضعيف الواهي  يتابع عبر جهازه المحمول  " رسوم متحركة  " حيث كان بجواره أخوه الذي  قال لنا  " دخل فرج المركز  ليلة البارحة إثر ألم في  بطنه،  والتعويض الذي  جاء لفرج اشترينا به فيلا في  طابلينو  وسيارات وعدة محلات  , ووزعنا بعضه على العائلة  "
وعلاج فرج ....... ؟؟؟؟ : 
سوف نعمل على علاجه في  أحد الأقطار العربية حيث  يشتهر فيها طبيب  يعالج مثل هذه الأمراض المستعصية .  مع كل هذه المشتريات التي  قمتم بشرائها،  ما قيمة المبلغ  المدخر لعلاج فرج ؟ لا أدري،  والدي هو الذي  لديه المبلغ،  مع العلم أن  فرج  يملك  هاتفين خلويين وسيارة مركونة له .  
فرج الذي  تتكون أسرته من أحد عشر فرداً  يحلم بأن  يكون محامياً !! ؟
وتضيف أم فرج التي  ترافق ابنها منذ  10  أيام داخل المستشفي  " لا  يوجد هناك اهتمام وقد اشتريت مضاداً حيوياً  وشراباً  مخفضاً  للحرارة لفرج من الخارج لعدم توفره في  المركز  " تستطرد الأم قائلة بعد عبرات حجبت عنها الكلام ودموع سالت على خديها  " الفلوس التي  أعطتها لنا الدولة لم تحل مشكلة الأطفال المصابين،  تمنيت لو أن هناك علاجاً  نهائياً  ولكن المال علاج مؤقت  " يتدخل والد الطفل المصاب فرج  بحدة ويقول  " المبلغ  الذي  استلمناه من الدولة الليبية كان على أساس تعويض عن ضرر ولكن العلاج وعناية الحالات والمتابعة  من مسؤولية الدولة،  وهنا القسم لا تتوفر فيه أي  مقومات مركز صحي،  كما أن المبنى تأكله الرطوبة،  ونشهد عدم توفر الأدوية في  الآونة الأخيرة ولا أدري  هل بسبب استلامنا التعويض؟ وعندما نشتكي  لأطباء المركز  يُبرئون أنفسهم ويُلحقون اللوم بأمانة الصحة  " بصراحة  - يُعبر الأب - " ليبيا باعتنا وباعت أولادنا وقيمة التعويض جبرونا على أخذها،  لقد استلمنا  حق دم أولادنا،  ودولتنا الليبية أهملتنا بعد التعويض ".
فاطمة الرياني  - اختصاصية اجتماعية  : لقد عملت بهذا المركز منذ عام  2006  ولاحظت بأن المصابين يعانون من مشاكل متعددة تبدأ بالأسرة مروراً  بالمدرسة ثم المجتمع ككل .  نبدأ بالمشاكل الأسرية و التي تواجه المصاب وهي  أن أهله  يعاملونه بطريقة مميزة عن باقي  أبناء الأسرة وهذا  يُشعره بالنقص  , أما المشاكل المدرسية فنجد بعض المعلمات لا تقوم بتصحيح كراسات الطلبة المصابين خوفاً  من انتقال المرض، حتى أثناء فترة الاستراحة المدرسية لا  يتم تسريح الأطفال  ويحتجزونهم في  الفصول مما أدى إلى ترك أغلب الأطفال مدارسهم  , أما بالنسبة للمجتمع فتتمثل  في  حرمانهم من النوادي  والأماكن الترفيهية الخاصة بالشباب وخصوصا أن هناك من ترك المدرسة في  سن مبكرة من جراء هذه الأوضاع وليس هناك نوادٍ متوفرة  ينتسبون إليها حتى وإن وجدت لا تقبل باشتراكهم مما  يزيد من أوقات الفراغ،  ويكمن دورنا الأهم في محاولة دمجهم اجتماعياً  وخصوصا في  قطاع التعليم حيث نذهب للاختصاصيات الاجتماعيات في  المدرسة ونقوم بإعطاء رؤية واضحة لطبيعة المرض  وكيفية انتقاله وطرق علاجه وكيفية التعامل والأضرار النفسية التي  تمر بالطفل في  حالة معاملته القاسية،  كما نجتمع مع الأسر بشكل دوري  وهناك تغير وتطور كبير .  هل ثمة تغير في  حال الأسر  بعد تعويضهم؟
نعلم جميعاً  أن هؤلاء الأسر من بيئات واقتصاديات مختلفة،  بمعنى أن هناك من كانت حالتهم المادية في مستوى خط الفقر وأنفق بعضاً  من مال التعويض في  تحسين مستواه الاقتصادي،  وهناك  من أصبح  ينفق المال في  علاج ابنه على حسابه،  ولا ننكر أن هذه البحبوحة ساعدت في  التغلب على عدة عراقيل ومصاريف أرهقت ذويهم .  هل قمتم بدور إرشادي  نحو مبلغ  التعويض للأسر كإنشاء نادٍ  أو مدرسة خاصة بأطفالهم  ؟ صعب التحدث معهم في  هذا الموضوع لأنه حساس للغاية و لا نستطيع فرض شيء عليهم لأنهم  يعتبرونه خطاً  أحمر،  وكما تقول بعض الأسر  " إن إنشاء مثل هذه المناشط  من اختصاص الدولة  " نلاحظ كذلك  سوء الصرف عند بعض الأسر .
فيروز الدرسي ... اختصاصية علم نفس  : كنت أعمل بمستشفى الأطفال في  بنغازي  منذ بداية الحدث  1998 وأعتبر أن ما جرى صدمة كبيرة على الأسر والمجتمع بصفة عامة كما واجهتنا في  البداية صعوبات كثيرة متمثلة في  عدم تكيفهم مع المرض ونقمتهم وسخطهم ومعاناتهم النفسية مثل الأكتئاب،  لقد كثفنا جهودنا في اتخاذ كافة الأساليب لعلاج وإدماج هؤلاء الأطفال في  المجتمع،  هناك حالات استجابة للعلاج ولكن أغلب المصابين  يُعانون من سلوك عدواني  وغير متقبلين للمرض ولا  يستطيعون التعاون مع الآخرين،  هناك حالات أخذت طريق العلاج الجماعي  وهم بنفس الأعمار ونشرح لهم طبيعة المرض،  وحاولنا بكل الطرق معالجة الناحية النفسية لهؤلاء المرضى،  كما قد تعرض بعض الأطفال لمرض التبول اللاإرادي  والعنف المفرط والخوف المرضي  والآن تم علاجهم بطريقة منتظمة وأي  مشكلة تواجههم نقوم بعلاجها النفسي،  
هل هذا المرض مقترن بالمرض النفسي؟
بالتأكيد ... سابقاً  وبحكم صغر السن لم تكن لديهم فكرة كافية عن المرض والآن بعد تقدمهم في  السن أصبحت المشكلة نفسية وخصوصا الشباب الذين  يرغبون في  الزواج وممارسة الرياضة وأن  يكون لديهم أصدقاء وللأسف لايوجد ما  يرغبون فيه،  ولكن هناك مقترح أن تقوم جمعية الأطفال المصابين بالإيدز ببناء نوادٍ اجتماعية خاصة بهم   الدكتور الذي  لم  يفصح عن اسمه  : تحدث معنا بكل صراحة عن طبيعة هذا المرض الذي  يعد حديثاً  نسبياً  في  ليبيا حيث كان أول بزوغ  له من عام  1998 ضمن الجريمة البشعة التي  ارتكبته مافيا الطب  وبدأ الجميع  يشعر بالخوف الشديد في  المستشفى  نتيجة لعدم الخبرة الكافية في  التعامل مع المرض ولكن سفرنا مع المصابين إلى إيطاليا  – وفرنسا  – وسويسرا كترجمة للحالة ومساعدين فقط ولا يوجد دورات دراسية على المرض،وأضاف قائلاً  " إن هذا المرض  ليس له علاج شافٍ  وما نقوم به هو محاولة السيطرة على ذلك الفيروس داخل الجسم وعدم نشاطه بحيث لا نعطيه الفرصة في  القيام بعمله الطبيعي  من خلال تناول الدواء بشكل منتظم وبذلك  تستقر حالة المريض .  والذي  نعانيه حالياً  هو رفع  " علاوة الخطر  " الذي  كنا نتقاضاه من قبل المركز قبل تعويض الأسر وإلى الآن لم  يتم صرفه،  مع العلم أن أغلب الأطباء والممرضات والمشرفات العاملات بالمركز هم في  وضع  " انتداب "  ختاماً  نقول إنها مأساة أكثر من أربع مئة زهرة مفعمة بالأمل اغتالتها الأيادي  الآثمة بأبشع الطرق . 
أكثر من أربع مئة طفل ليبي  تم حقنهم عمداً  بفيروس الإيدز أثناء ترددهم على مستشفى الفاتح  من قبل ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني،  حيث كان من المفترض أن  يتضامن العالم ومنظماته المعنية مع هؤلاء الأطفال وعائلاتهم ويصر على معرفة من وراء هذه الجريمة النكراء،  نجده  يآزر المتورطين ويعمد بشتى الوسائل على  تحويل مسار القضية من قضية قانونية إلى قضية سياسية .