الصورة: DVIC |
يوجد في بغداد ما لا يقل عن 11 مركزاً طبياً يخدم المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشري/الإيدز، كما يوجد أحد تلك المراكز أيضا في كل محافظة |
أصيبت هناء خليل (الاسم المستعار الذي تستعمله لإخفاء هويتها)، وهي أرملة الآن، بالإغماء عندما أخبرها الطبيب في أحد المستشفيات في بغداد في نهاية التسعينيات بأنها مصابة بفيروس نقص المناعة البشري. وعن حديثها عن ذلك الآن، تقول هناء "لقد كان جسدي في عيادة الطبيب ولكن ذهني كان في مكان آخر. فقد كنت منشغلة بالتفكير في الآثار الصحية والاجتماعية التي يمكن أن أواجها".
فالإصابة بفيروس نقص المناعة البشري في العراق تعني العزلة الاجتماعية، وربما حتى الموت على أيدي المتطرفين الدينيين الذين يؤمنون بأن إصابة شخص ما بالفيروس تدل على أنه قد قام بتصرفات غير لائقة .
وفي هذا السياق، قال إحسان جعفر، رئيس إدارة الصحة العامة بوزارة الصحة والمسئول عن مكافحة فيروس نقص المناعة البشري/الإيدز، أن معدل انتشار فيروس نقص المناعة البشري في العراق منخفض جدا، حيث يوجد فقط 44 شخصا مصابا بالفيروس في البلاد.
وأضاف أن الإدارة تشجع الناس على القيام باختبار الكشف عن الفيروس وتتابع صحة الأشخاص المصابين به وعائلاتهم، وتقدم لهم "العلاج المجاني إضافة إلى المساعدات المالية".
وقد أصيب زوج هناء بالفيروس بعد عامين من زواجهما في بداية التسعينيات وولادة طفلهما. وقد قررا عدم إخبار أحد خشية أن يتم تشويه سمعتهم. ولكن عندما تم تشخيص إصابة هناء بالفيروس أيضا قرر الزوجان الكشف عن السر.
تحاشي الناس
قالت هناء لشبكة الأنباء الإنسانية إيرين "لقد أصابنا الذعر واحتجنا إلى الدعم. ولذلك أخبرنا والديّ زوجي الذين كنا نتشارك معهما السكن، ولكن للأسف لم يتفهما الموقف وطلبا منا الرحيل لأنهما شعرا بالخجل منا".
ولم يقم والدي هناء بالترحيب بهما أيضا، ولذلك قررت الأسرة المكونة من ثلاثة أفراد استئجار منزل، بعد أن أخبروا باقي أقاربهم بأنه سيسافرون إلى الخارج. وفي بداية عام 2000 توفى زوج هناء بسبب السل وهو العدوى الأكثر حدوثا بين المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري.
ودخلت محنة هناء الأرملة مرحلة جديدة بعد الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد عام 2003، حيث أصبح المتطرفون الإسلاميون يقولون أن المصابين بفيروس نقص المناعة البشري أشخاص "مذنبون" يستحقون القتل.
وأضافت هناء قائلة "لقد أصبحت مثل الرحل أتنقل من مكان إلى آخر بحثا عن الغذاء والماء، ولكن في الحقيقة كنت أبحث عن الأمان".
اكتشاف الفيروس للمرة الأولى عام 1986
قال وضاح حامد، رئيس مركز أبحاث الإيدز في العراق، أن الفيروس قد دخل إلى العراق للمرة الأولى عام 1985 عن طريق دم ملوث تم استيراده من شركة فرنسية. وقد تم اكتشاف الفيروس في العام التالي في عشرات الأشخاص الذين كانوا يعانون من نزيف الدم وهو اضطراب وراثي في الدم.
وأضاف حامد، الذي يرأس أيضا البرنامج الوطني العراقي للوقاية من الإيدز، أن "معاملة المتعايشين مع الفيروس في ذلك الوقت كانت قاسية وتعسفية. فكان يتم وضع من يُكتشف إصابته بالفيروس في مرافق طبية معزولة". وأشار إلى أنه تم اكتشاف حوالي 482 حالة مصابة بالفيروس منذ عام 1986، من بينهم 272 مصاب عراقي والبقية من الأجانب، مضيفا أن ما بقى على قيد الحياة منهم حتى الآن يبلغ عددهم 44 شخص فقط.
بدأت منذ ذلك الحين في تغيير المركز الطبي من آن إلى آخر حتى لا يتم رصدي في نفس المركز كل شهر |
ويحصل المرضى على ما يعادل 85 دولاراً شهريا من الحكومة بالإضافة إلى بدل ملابس، في حين يحصل المرضى الذين أصيبوا عام 1985 على 200 دولار إضافية شهريا. كما يحصل المصابون أيضا على فحوصات طبية شهرية مجانية ويتم فحص آبائهم كل ثلاثة أشهر كما يتم فحص أفراد العائلة الآخرين كل ستة أشهر. ويوجد في بغداد ما لا يقل عن 11 مركز طبي لهذا الغرض، ويوجد واحد من تلك المراكز في كل محافظة.
حملات التوعية غير اللافتة للنظر
يقول أحد الملصقات الموجودة في مكتب حامد "أعط نفسك فرصة وأحصل على فحص طبي مجاني في أحد مراكز فيروس نقص المناعة البشري/الإيدز. ليست هناك حاجة إلى اسمك أو أي معلومات شخصية". وتقوم الوزارة بإطلاق حملة تجريبية لرفع الوعي بشأن فيروس نقص المناعة البشري/الإيدز بالتنسيق مع وسائل الإعلام المحلية، كما تقوم بتوزيع ملصقات وعقد ورش عمل.
وقد تم أيضا إدراج برامج التوعية في المناهج الدراسية للمدارس الثانوية وتم إنشاء خط ساخن لتمكين الناس من الحصول على المشورة. وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية إيرين، قال حامد "نعتقد أن هذه الحملة ينبغي أن تكون غير لافتة للنظر لأن بلدنا لا تزال غير منفتحة على مثل هذه المواضيع. لا نريد أن نسبب ذعرا وقلقا بين الجماهير عندما يرون هذه الملصقات في كل مكان".
وتقوم الوزارة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بوصف علاج مركب مجاني يشمل ثلاثة عقاقير من مضادات الفيروسات القهقرية.
التواري عن الأنظار
في كل مرة يذهب عمار محمد (ليس هذا اسمه الحقيقي) للحصول على التقييم الشهري أو سحب المبلغ الذي يُدفع له شهريا يخشى أن يراه شخص ما يعرفه.
وقال محمد الذي تعرض لصدمة في أواخر عام 2006 عندما عرف بمقتل شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشري كان يُعالج في المركز الطبي "أشعر كما لو أنني لص يتخفى من الناس". وأضاف: "بدأت منذ ذلك الحين في تغيير المركز الطبي من آن إلى آخر حتى لا يتم رصدي في نفس المركز كل شهر".
كل الأخبار والتقارير المنشورة على موقع IRINnews.org مقدمة من قبل IRIN / .