قالت إنها تحلم بأن تكون صحافية.. واضطرت وزير الشؤون الاجتماعية على ارتجال كلمة في حفل جدة
| سارة وهي ترتدي قناعها خلال إلقاء كلمتها |
|
| الأمير مشعل بن ماجد والدكتور يوسف العثيمين خلال الحفل الذي أقيم في جدة أول من أمس (تصوير: سلمان المرزوقي) |
|
جدة: علي شراية وأمل باقازي
أجبرت كلمة مؤثرة ألقتها الطفلة سارة، إحدى المصابات بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) أثناء حفل تدشين أعمال الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز أول من أمس في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية على الوقوف وإلقاء كلمة ارتجالية لم يكن معدّا لها من قبل، بحضور الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة والعديد من الحاضرين الذين لم يجدوا وسيلة للتعبير عنها إلا بالتصفيق الحار الممزوج بالدموع.
سارة التي سردت قصة معاناتها على المنصة وهي ترتدي قناعا أبيض يحول دون التعرف على ملامح وجهها الحقيقية بأسلوب بلاغي جعل وزير الشؤون الاجتماعية يعترف بعدم قدرته على مجاراته، وأشارت إلى أنها تطمح بأن تصبح في يوم من الأيام صحافية لتكتب عن الفئة المهمشة في المجتمع من واقع تجربة مريرة خاضتها ولا زالت تحاول التعايش معها كي تبث روح التفاؤل بينهم في ظل نبذ المجتمع لهم كونهم مصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة.
ولم تخفِ تلك الطفلة التي تستعد للجلوس على مقاعد الصف الثاني من المرحلة المتوسطة آلامها كونها لم تعش طفولتها مثل الباقيات، خاصة أن الفئة التي وصفتها بالقليلة ممن يحبونها لم يفعلوا ذلك من أجلها وإنما شفقة منهم على وضعها، مستثنية إحدى صديقاتها التي تبث لها معاناتها باعتبارها المقرّبة لها دونا عن الباقين.
وقالت «منذ ما يقارب ثلاثة آلاف يوم زرع المرض وجوده بجسدي، في الوقت الذي كنت أحلم بالألعاب والحلوى صرت أحلم بالأدوية والشفاء ولو لأيام، منذ الخامسة من طفولتي وهذا المرض يتجول في شراييني ومعه تتجول نظرات زميلاتي ومجتمعي لي وكأنني كائن غريب لا يصح الاقتراب منه».
وأكدت «أنها ليست في قائمة المحبطين والمحبطات رغم كل ذلك، بدليل نجاحها في كل عام دراسي بتفوق، غير أنها منذ بواكير عمرها وهي تدفع فاتورة المرض من كل شيء في ظل انتقالها من مدرسة لأخرى وسماعها يوميا عشرات العبارات التي تؤذيها، إذ لا تملك سلاحا سوى الأمل في الله، وأن تحفل الأيام القادمة بعلاج يقتلع المرض من جذوره».
وأضافت «لقد أتعبني بوجعه وأتعبته بقوتي، وسأنتصر عليه دوما بإذن الله ودعم المحيطين لي، وكم كنت أتمنى أن أكون أمامكم لأغني أنشودة كغيري من الأطفال، وأفرح كالفراشات وأسابق العيد بالبالونات والضحكات، لكن قدري غير اهتماماتي».
وتحلم سارة بتلك اللحظة التي تنتصر بها على المرض لتفرح كالأطفال وتوزع الكعك والحلوى وأناشيد العيد.
وناشدت الطفلة الحضور بأن يجربوا العيش ليوم واحد فقط باسم مستعار وتحت قناع يغطي وجوههم ليعوا حجم المعاناة التي يشعر بها مرضى الإيدز، غير أن بكاءها حال دون أن تكمل حديثها، لا سيما أنها كانت تريد أن تشكر المجتمع إن وقف معها في حربها القادمة، إلا أنها لن تحزن كثيرا إذا خذلها، خاصة أن الأيام علمتها ما لم تكن تعلم.
وفي هذا الوقت ترجّل الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية من مقعده ليتجه إلى المنصة ويستهل حديثه بابتسامة خصّ بها الطفلة قائلا «لا أعرف بأي بلاغة أتحدث بها بعد أن سمعت كلمة سارة»، مبديا فخره وإعجابه الشديد بها.
وذكر أن مرض الإيدز يعد قضية مجتمعية مهمة تستوجب مواجهتها دولة ومجتمعا، مطالبا بعدم إخفاء رؤوسهم في الرمل، لا سيما أن المجتمع السعودي ليس مجتمعا ملائكيا وإنما قد يوجد به كل شيء موجود في العالم.
وأوضح أن الخطوة الأولى نحو العلاج تكمن في الاعتراف بالمشكلة والتعاطي معها بحجمها الحقيقي، مطالبا بضرورة دعم الجمعية ومساعدتها لتحقيق أهدافها سواء ماديا أو توعويا.
واختتم الدكتور يوسف العثيمين كلمته بعبارة وجهها إلى الطفلة سارة طالبا منها التخلي عن نبرة الإحباط والتحدث بنبرة تفاؤلية، مضيفا «سنحتفل بتخرجك من الجامعة وتزويجك أيضا».
وبالعودة إلى الطفلة سارة التي أشارت خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها أصيبت بالمرض عن طريق نقل دم خاطئ أثناء خضوعها لعملية في الغدد منذ سنوات عديدة بمستشفى الولادة في جدة، غير أنها لم تتقبل المرض إلا بعد أن كبرت وامتلكت وعيا كافيا لاستيعاب وضعها.
وأضافت، منذ أن كنت في الصف الرابع الابتدائي بدأت أكتشف موهبتي في الكتابة، الأمر الذي جعلني أطمح بأن أكون صحافية لأقدم رسالة واضحة وصادقة إلى من هم مثلي من المصابين.
وأثناء استرسالها في الحديث عن نفسها، قاطعها أحد المنظمين لحفل التدشين كي يأمر بإنهاء الحوار وإخفائها عن الأنظار داخل قاعة الحفل، فما كان منها إلا أن استجابت ببراءة دون أي اعتراض، مكتفية بنظرة اعتذار بعثت بها للموجودين من تحت قناعها الأبيض.
ومن منطلق «آن لمرضى الإيدز أن يتجرّعوا المرض بطعم الحلوى عوضا عن معاناتهم منذ فترات طويلة»، جاءت فكرة الدكتورة سناء فلمبان رئيسة مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز في تنفيذ نحو 270 نموذجا تم توزيعه على حضور الحفل، والمتمثلة في قطع حلوى تحمل شعار الجمعية.
وقالت لـ«الشرق الأوسط» تتكون الجمعية من نحو 13 عضوا رسميا ونحو 30 عضوا منتسبا، لافتة إلى أن تكلفة علاج المرض تختلف من عام إلى عام، غير أن الكيس الواحد من الدواء تتجاوز قيمته أكثر من 12 ألف ريال شهريا للفرد الواحد.
من جهته بيّن الدكتور سامي باداوود مدير الشؤون الصحية في وزارة الصحة بجدة أن نحو 80 في المائة من المصابين بمرض الإيدز هم دون سن الأربعين، لافتا إلى أن بروتوكولات الأدوية الموجودة في الوزارة هي نفسها التي يتم تطبيقها على مستوى العالم.
وقال لـ «الشرق الأوسط» إن ما يحدد نزع الأقنعة التي يستخدمها مرضى الإيدز هو المجتمع نفسه، لا سيما أنهم ينظرون إليهم بشكل خاطئ في الوقت الذي لا ينبغي معاقبتهم وعزلهم عن الباقين، خصوصا أن جزءا كبيرا من العلاج يتمثل في تعزيز الثقة بهم كي لا يستسلموا للمرض.
يشار إلى أن عدد الإصابات بمرض الإيدز في السعودية تبلغ نحو 14 ألفا و500 إصابة يشكل السعوديون منها نحو ثلاثة آلاف و500 مصاب، فيما تحتل منطقة مكة المكرمة التي تشكّل ربع سكان السعودية المركز الأول في عدد الإصابات بنسبة تتجاوز 50 في المائة من الحالات على مستوى المملكة.