موزة المالكي: يجب تنظيم حملة توعية لتصحيح المفاهيم حول مرضى الإيدز بمشاركة المجتمع
ثقافة المجتمع تربط بين الإيدز والانحطاط الجنسي ويجب تصحيحها
محمد صلاح :
احتفلت دول العالم أمس الاول، باليوم العالمي العشرين لمرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز"، وذلك تحت شعار "البداية - المسؤولية - التنفيذ".
وبهذه المناسبة أطلق برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز "يونى إيدز"، تقريراً يدعو دول العالم إلى تبني المزيد من البرامج الوقائية من الوباء لتوعية العالم بطرق العدوى وأهمية الوقاية لحماية المواطنين.
وأكد المدير التنفيذي للبرنامج د(.بيتر بلوت)، أن هذا النداء من شأنه أن يدعم الجهود الرامية إلى مواجهة الإيدز على الأمد الطويل والمستمر.
وتشير الأرقام إلى أن حوالي 33 مليون شخص في العالم يتعايشون مع الإيدز حالياً، كما شهد عام 2007 تسجيل 2.7 مليون حالة جديدة للمصابين، ولقي ما يقرب من مليون شخص في العالم حتفهم في العام نفسه.
يذكر أن فكرة الاحتفال باليوم العالمي للإيدز، انطلقت في عام 1988 خلال القمة العالمية لوزراء الصحة، حول برامج الوقاية من الإيدز، ومنذ ذلك اليوم تحتفل منظمات وهيئات الأمم المتحدة والحكومات والمجتمع المدني بأكمله.
وفي هذا الإطار أكدت الدكتور خديجة معلي منسقة البرنامج الإقليمي للإيدز في الدول العربية المنبثق عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن جهود مكافحة الإيدز في كل الدول العربية ليست بقدر سرعة وقوة انتشار المرض لافتة إلى حتمية مضاعفة الجهود لاحتواء هذا المرض.
وأضافت لـ (الشرق) في تصريح لها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للإيدز وبلغة الأرقام نحن لدينا ما بين 500 ألف - 1.5 مليون مصاب في الوطن العربي ولكن يظل ذلك عددا تقديريا لافتقارنا في بعض الدول العربية إلى مسوح من الجيل الأول والثاني التي تسمح لنا بمعرفة حقيقة هذا الوباء، مشددة على وجوب قيام الدول العربية بتلك المسوح منوهة إلى أن هناك بعض الدول العربية تقوم بتلك المسوح مكتفية فقط بالحالات التي تأتي إلى مراكز الكشف طوعا.
وقالت: في معظم الأوقات تكون الحالات المكتشفة في هذا النوع من الكشف في آخر مراحل المرض مما يزيد من الأعباء الملقاة على كاهل الجهات المعنية، مضيفة ولكن يجب أن تتحرك الحكومات العربية للتعرف على حجم الحالات لأن 90% من الحالات الموجودة في الوطن العربي في اعتقادي من المصابين لا يعرفون أنهم حاملون هذا الفيروس.
وفيما يتعلق بالاحتفال باليوم العالمي للإيدز قالت إن طبيعة هذا الاحتفال تختلف من دولة إلى دولة ولكني أنا شخصيا يحزنني أن الدول العربية وبخاصة الأجهزة الإعلامية تتحرك أكثر في هذا اليوم على خلاف باقي الأيام كما لو أن الإيدز هو الآخر لا يتحرك إلا في هذا اليوم من أيام السنة، ففي ضوء الإحصائيات فإن هناك للإيدز إصابة جديدة كل 14 دقيقة ولذا أتمنى أننا في الوطن العربي لا نهتم بالايدز فقط في الأول من ديسمبر ولكن نضعه في إستراتيجياتنا طويلة الأمد ومن ثم نتحرك لإيقاف هذا الوباء.
وحول مسودة القانون الذي خصص لحماية حقوق المتعايشين مع مرض الإيدز في دولة قطر والذي يتم مناقشته حاليا أضافت أن مسودة القانون قد أرسلت إلى برنامج مكافحة الإيدز بالدول العربية ومقرها القاهرة وقد قدمت تعليقات البرنامج علي القانون إلى قطر مشيرة إلى أنه كقانون جيد جدا متمنية أن يرى النور بأسرع ما يمكن حيث إن جيبوتي هي الدولة الوحيدة التي لديها قانون في هذا الصدد وسوف يليها الجمهورية اليمنية، وأضافت معلى وقد بعثت لنا العديد من مسودات القوانين من العديد من الدول العربية وهنا يتجلى دور المجالس التشريعية في الدول العربية لتأخذ على عاتقها أن تخرج تلك القوانين إلى حيز التنفيذ وألا تظل حبرا على ورق.
وأشارت إلى أن هناك محاولات كثيرة من البرنامج الإقليمي للإيدز في الدول العربية لبناء القدرات البشرية المؤهلة للمساعدة في مكافحة الإيدز موضحة أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قام بتنظيم 60 ورشة عمل هذا العام فقط بالإضافة إلى 100 نشاط بناء قدرات من رجال الإعلام والقيادات الدينية برلمانيين كما قمنا بتنظيم فعاليات مع الأشخاص المتعايشين مع المرض وكما قلت لابد من القيام بأكثر من ذلك بكثير.
ولفتت إلى أنه مع كل ما يقوم به البرنامج الإنمائي من جهود بالإضافة إلى جهود جمعيات المجتمع المدني ومع ذلك فالوصم الاجتماعي للمتعايشين مع مرض الإيدز ما يزال موجودا وبشكل فج في بعض الأحيان.
وأشارت معلى إلى أن هناك مساعي مع البرلمان العربي لإطلاق معاهدة عربية لحماية حقوق المصابين بالإيدز ونتمنى أن ننال موافقة جامعة الدول العربية على هذه المعاهدة كما نتمنى أن يوقع عليها زعماء الدول العربية كما نرمي إلى موافقة البرلمانات العربية وبالتالي نكون أول مناطق العالم التي تطلق معاهدات حول هذا المجال موضحة أن هذه المعاهدة سوف تتضمن كل الحقوق الطبيعية التي يجب أن يتمتع بها الأشخاص المصابين بالمرض من حقوق سياسية ومدنية المتاحة لكل المواطنين.
وشددت على أن الهدف من التحرك في المسار الإعلامي هو تبني الإعلام العربي لهذه القضية بشكل موضوعي وبشكل مستمر فلو وضعنا مفاهيم الإيدز يوميا مكان أغنية واحدة فقط يكون ذلك أجدى نفعا.
وأضافت: لابد من تحرك شبكات كبيرة مثل الجزيرة والعربية لتصبح هذه القضية في مقدمة أولوياتنا اليومية كما لابد أن تدرج على الأجندة السياسية التي لا تتحدث عن الكوارث التي نعاني منها اليوم ولا تنظر إلى الكوارث التي سوف تصيبنا بعد خمس سنوات من جراء استفحال هذا المرض.
وقالت الدكتور موزة المالكي: يجب إطلاق حملة توعوية نغير من خلالها كل المفاهيم الخاطئة حول الإيدز وعن مرضى الإيدز الذين يشكلون فئة من فئات المجتمع العربي وأن تكون بداية هذه الحملة يوم الاحتفال باليوم العالمي للإيدز على أن تكون مستمرة طيلة العالم بلا توقف.
وأضافت كما يجب إشراك كل طوائف المجتمع على مختلف توجهاتهم وبكل الفئات العمرية وأن نعمل على جعل الناس فاعلين في هذه الحملة على العكس من كل الحملات التي أطلقت من قبل وهي جعل الناس متلقين سلبيين فقط لا نسمع صوتهم ولا نرى أفكارهم وهذا هو الخطأ الفادح الذي وقعت فيه كل الجهات المعنية بمحاربة هذا المرض.
وأشارت إلى تجربتها الشخصية في قطر والتي تعاملت فيها مع مرض الإيدز الذي يعرف المصاب به أنه على بضع خطوات من القبر. وأضافت وهذه الفئة لها سيكولوجية خاصة إنها تمارس من خلالها ضبطاً بألا تترك آثارا اجتماعية تشوه ذكرهم، وهم يلجأون إلى المواربة والكتمان أو إخفاء أسباب المرض نظراً لما يشاع أن الوسيلة الوحيدة للإصابة به هي الاختلاط الجنسي غير الشرعي والشذوذ فهذه الدعاوى الضدية التي أطلقت في البداية قرنت مرض الإيدز بصور سلوكية تلاحق صاحبها حياً وميتاً.
وقد تلخصت التجربة التي مررت بها في التعامل العلاجي مع مرضى الإيدز في قطر في أن الطبيب المعالج كان يقول لمرضاه بالايدز أنهم سيخضعون لعلاج نفسي جماعي في محاولة للتخفيف من وطأة الأثر النفسي لهذا المرض الخطير.. وقد قدّر لي أن ألتقي في جلسة علاجية برهط من مرضى الإيدز كان كل منهم يتحدث عن الظروف المعروفة لديه والمسببة لهذا المرض الخطير.
واستمعت من كل منهم حكايته مع هذا المرض بدءاً من أسباب الإصابة وظروفها وكيفية اكتشافها إلى ما وصل إليه المريض في تلك المرحلة من حياته من ألم اجتماعي أكبر منه ألما عضويا أو نفسيا.
وقد استمعت إلى قصص عديدة أكثرها إثارة قضيتين لمريضين تباينت ردود فعلهما لدى علمهما بإصابتهما بالإيدز.. فالقصة الأولى: لمريض حينما أعلن الأطباء له إصابته بالإيدز حيث أصيب بحالة من الانهيار النفسي ليس خوفاً على حياته هو فقط، ولكن ظنا أنه قد تسبب في إصابة زوجته وأطفاله وذويه بهذا المرض وفقاً لما كان يعلن عن طريق الإصابة والعدوى بطاعون العصر.. فهرع إلى زوجته وأجرى لها فحصاً على دمها وتأكد من سلامتها، وفعل نفسي الشيء مع ذويه المقربين منه.. وحينما تيقن أنه كان المصاب الوحيد فقط في أسرته فإنه افتعل خلافاً مدوياً مع زوجته ليبرر الانفصال عنها ثم لجأ إلى شقة استقل فيها مبتعداً عمن يعرفهم في انطوائية استهدفت تحمل مسؤولية مرضه بنفسه وإبعاد شر الإصابة به عن غيره ممن حوله، وكان ذلك موقفاً اقتنع به ووجد له المبرر القوي فظنه الآخرون عصبياً وذا سلوك شاذ وانفعالي، ولكنه كان يلعب دوراً تمثيلياً حتى لا يتسبب في إيذاء الآخرين مثلما أوذي بهذا المرض، وقضى حياته وحيداً منزوياً يتجرع آلامه ويستأثر بانطوائية ويفضي إلى الله بأحزانه حتى لا يتسبب في عدوى من يحبهم ومات هذا الرجل ولا تعرف زوجته أنه كان يحبها إلى حد الخلاف معها لإنقاذها من مصير تلقاه وحيداً.
أما القصة الثانية فإن صاحبها سكنته مشاعر عدوانية تجاه المجتمع الذي اتهمه بأسوأ الاتهامات، وبدلاً من أن يبتعد بنفسه وبمرضه عن الآخرين انخرط هذا الإنسان في علاقات جنسية غير شرعية مع أخريات وهو على قناعة كاملة باستهداف إصابتهن بما أصيب به من خلال علاقة مماثلة مع مصابة.
ومن ذلك فقد وزع فيروس الإيدز متعمداً على كل من التقى به في ردة فعل غاضبة وعدوانية تولدت لديه من جراء الإصابة.
فشتان بين الموقفين وهنا تبرز وظيفة العلاج النفسي في إحداث التوازن في موقف المريض.
فالتوازن في حالة المريض الأول يكون بمساعدته على أن يعيش بين أهله دون أن يتسبب في إصابتهم ونقل العدوى لهم بهذا المرض الخطير، وذلك بشرح الطرق التي يمكن أن يتبعها لمنع العدوى، والإجراءات التي عليه إجراؤها للوقاية.
أما التوازن للمريض الثاني فيكون باستئصال هذه المشاعر العدوانية منه وإشعاره بأهمية أن يكون إنساناً متسامحاً لا انتقاميا، وفي الحالتين يعتمد العلاج النفسي على إعلاء القيم العليا لدى المريض وتخليصه من المشاعر السالبة التي تحشد فيه أسباب النقمة أو أسباب الانطوائية والعزلة ومساعدتهم على استشراف الغد وشحنهما بقوة نفسية تعينهما على تلقي العلاج وإن كان هذا العلاج ميئوسا منه في الكثير من الحالات كما هو معروف.
التجربة شاقة لأنك تتعامل مع مرضى على حافة الموت، هم أقرب إلى المحكوم عليهم بالإعدام البدني والاجتماعي لما يقترن بهذا المرض من شبهة اجتماعية تدين صاحبها بشتى التهم الجنسية الفاضحة، علماً أن بعض حالات المرضى انتقلت إليهم بغير الخوض في علاقات جنسية غير شرعية، مثل نقل الدم الملوث أو ملامسة دم مريض بهذا المرض أو أي طرق أخرى غير الاتصال الجنسي.
ولهذا فإن ثقافة المجتمع التي ربطت بين الإصابة بالإيدز والانحطاط الجنسي هي بحاجة إلى تقويم يشرح الطرق المتمثلة للإصابة بهذا المرض، وبالطبع فإن الجنس هو أحد وسائل انتقال العدوى، كما أن تعاطي المخدرات بالحقن وسيلة أخرى ولكنها ليست كل الوسائل مما يقتضي إشاعة توعية خاصة لتوضيح طرق الإصابة.