بيروت الحياة - 03/11/08/
مرّت ساعات الليل ثقيلة جداً. كأنه الامتحان الاصعب في حياته، وغداً هو يوم انتظار النتيجة. في الطب لا مجال للحلول الوسط، فمن المفترض أن يتسلّم ورقة صغيرة من طبيبه يزفّ له فيها الخبر السعيد... «الطريق سالكة إلى حياة زوجية آمنة».
كميل وخطيبته سحر نفّذا المطلوب منهما قبل نحو 15 يوماً من حفلة الزفاف، فقصدا أحد المراكز الطبية المتخصصة لاجراء فحوص الزواج. لكن المدة الفاصلة بين أخذ عينة الدم من الخطيبين وصدور النتيجة كانت كافية «لحرق أعصابهما» ونسج سيناريوات لامست أسوأ التوقعات. «ماذا لو أظهرت النتائج عدم قدرة أحد من الطرفين على الزواج لموانع صحية؟». وهذا التساؤل لم يأت من العدم فمنذ البداية قرّر كريم، بالاتفاق مع خطيبته، أن يخوضا الحياة الزوجية بكثير من الشفافية، لذلك فهما لم يكتفيا بالفحوص الالزامية المطلوبة قانوناً لاتمام معاملات الزواج بل أضافا إليها فحص «القدرة على الانجاب» الاختياري، والذي غالباً ما يتغاضى عنه المقبلون على الزواج على اعتبار «أن الله هو مانح هذه النعمة... مهما كبر حجر المشكلة».
لكن كريم الذي يتوق للانتقال الى البيت الزوجي و «تدشين» مرحلة جديدة في حياته بعد أن جاهد، ولأكثر من أربع سنوات بعد تخرجه في الجامعة، لتأسيس حياة مهنية مستقرة أصر على إبعاد أي شكوك قد تنغّص «حلمه الجميل» مع الفتاة التي اختارها قلبه. كان يوماً حاسماً، يقول كريم، طرقت باب المركز الطبي ودخلت اسأل عن نتيجة الفحص. وفي أقل من نصف دقيقة «الفحوص جيدة... مبروك». عاد اللون إلى وجه كريم الشاحب، وبسرعة البرق زفّ الخبر السعيد الى سحر وبقية العائلة...
في لبنان شكّل تاريخ ايار (مايو) 1994 حداً فاصلاً بين مرحلتين، فلم يعد الزواج «ورقة» مجهولة المصير والتبعات. إذ أن القانون 334/94 فرض شهادة طبية الزامية على كل طالب زواج لتفادي اصابة الأطفال بأمراض وليدية أو وراثية فباتت الطريق الزوجية معبّدة الى حد كبير الى نسل معافى من الامراض والعاهات التي يمكن أن تشكّل خطراً على الجيل الجديد كأمراض الايدز والسفلس والتلاسيميا... وبموجب هذا القانون يتم اخضاع العروسين الى فحص مخبري وسريري للتأكد من سلامة البنية التناسلية لديهما والتحقق من خلوهما من الامراض السارية والمعدية ومن الامراض الزهرية والوراثية، لكن في المقابل تبقى هناك حقيقة علمية ثابتة وهي أن اجراء الفحص الطبي المسبق لا يقي كلياً من الامراض الوراثية، لأن الفحص يطاول أمراضاً محدودة هي الاكثر انتشاراً وليس كل سلالات الامراض التي تتطلب فحوصاً متقدمة جداً.
ويقول الدكتور طوني خيرالله، اختصاصي توليد وامراض وراثية، «إن الفحص الالزامي اساسي وضروري لولوج مؤسسة الزواج بخطى ثابتة ذلك أنه يجنّب الشريكين مشاكل يمكن تفاديها من خلال تبيان الوضع الصحي الشامل لهما». ويوضح خيرالله: «أن هذه الفحوص تكشف وجود امراض كالتلاسيميا والسيدا والصفيّرة... والتلاسيميا مثلاً موجودة في شكل واسع في منطقة البحر المتوسط ويمكن الوقاية منها في حال اصابة أحد الشريكين بها من خلال أخذ لقاح قبل الزواج». والأهم، كما يقول خيرالله، أن هناك إمكانية للحد من انتقال الامراض المعدية بين الزوجين أو الى اطفالهما والحد من ولادة أطفال مشوهين أو معوقين».
وخلافاً للاعتقاد السائد يؤكد خيرالله «أن اجراء الفحص لا يقي تماماً من الامراض الوراثية أو المشكلات التي يمكن أن تطرأ لاحقاً بعد الزواج. كما أنه من الخطأ إيهام الناس أن زواج الاقارب هو المسؤول عن التشوهات الخلقية التي يمكن أن تصيب الاطفال لأن هذا الامر غير صحيح. والدليل أن ليس هناك فحص مخصّص «لأقرباء الدم». أما فحص «القدرة على الانجاب» غير الالزامي فلا ينصح به الدكتور خيرالله قبل الزواج «لأنه يمكن أن يؤثر في حياة الشريكين خصوصاً أن الطب تطور كثيراً وما كان يُعتقد في الماضي أنه من المستحيلات بات في غالبية الحالات واقعاً ملموساً».