Saturday, December 27, 2008

اكتشافه في أحد أفراد العائلة يسبب صدمة كبيرة رغم الآلام التي يعانيها المريض وحاجته إلى الدعم الاجتماعي



د. رفيدة بنت محمد الدباغ
للإيدز عدة تأثيرات عضوية ولكن ربما نجد أن الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية وما تسببه من انعكاسات سلبية على المريض وعلى أهله والمقربين منه هي الأكثر وقعاً على المجتمع.

منذ بداية ظهور هذا الوباء كانت وصمة العار والخوف من ردة فعل المجتمع هي الهاجس لكثير من المصابين بفيروس الإيدز. وتولد وصمة العار انعكاسات سلبية اجتماعية ونفسية، والتي تعوِق وسائل الوقاية والسيطرة على المرض.

وبالإضافة إلى وصمة العار والانعكاسات الاجتماعية التي تترتب عليها، فإن حامل فيروس الإيدز قد يواجه أمراضا نفسية في مسار مرضه التي قد تنتج عن المرض بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر كردة فعل من الضغط الاجتماعي الذي يعانيه المريض.

العلاقة بين الإيدز والأعراض النفسية:

هناك علاقة قوية بين الإيدز والأعراض النفسية. وهناك العديد من الدراسات التي افترضت أن فيروس الإيدز يهاجم الخلايا الدماغية المختلفة، ولقد وجد أنه يحدث فقدان وتلف لخلايا الدماغ عند المصابين بفيروس الإيدز ولكن الدراسات لم تبين بعد الطريقة الفعلية لكيفية اتلاف فيروس الإيدز للخلايا الدماغية.

فالعلاقة المباشرة بين حمل فيروس الإيدز وظهور الأعراض نفسية ما زالت غير واضحة حتى الآن، حيث أن هذه الأعراض النفسية قد تكون ناتجة عن مهاجمة فيروس الإيدز المباشرة للخلايا الدماغية ومن ثم إتلافها ، وخاصة عندما تصيب الخلايا الواقعة في الفص الأمامي للدماغ، أو قد تكون ناتجة عن وجود العديد من الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز والذين كانوا يتعاطون المنبهات (الأمفيتامينات) والتي تسبب بحد ذاتها اتلافا لخلايا الدماغ وبعض الأعراض نفسية.

توجد هناك أيضاً عوامل تسهم في ظهور أعراض نفسية لدى حاملي فيروس الإيدز والمصابين بالإيدز، وهي:

1- الضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها المريض مثل التأقلم مع التشخيص، وتأثير المرض على التركيز والذاكرة، ووصمة العار المصاحبة للمرض والاضطهاد وفقدان الدعم الاجتماعي.

2- الادمان المسبق على المنبهات الدماغية والمخدرات أو الإصابة السابقة بالأمراض النفسية.

3- مخاطر الإصابة بالالتهابات بسبب نقص المناعة كالتهابات الدماغ التي قد تظهر على شكل أعراض نفسية.

الانعكاسات النفسية على المُشخَص حديثاً بفيروس الإيدز:

كون الفرد المُشخص حديثاً بأنه حامل لفيروس الإيدز يجعله في حالة نفسية حرجة ويجعله أكثر عرضة للإصابة بأمراض نفسية نتيجة للضغط النفسي الهائل الذي يتعرض له في ذلك الوقت. ويمر العديد من المرضى بالمراحل التالية:

1- الانكار:(Denial) حيث أنهم لا يعترفون بإصابتهم بالمرض وربما يرفضون التحاليل والفحوصات التابعة، وهذه نقطة في غاية الأهمية ويجب أن تؤخذ في الحسبان. حيث أن مقاومة المرض بنجاح تحتاج إلى وجود مستوى معين من التقبل للمرض لدى المصاب ليتمكن من طلب الاستشارة النفسية والدعم الطبي والاجتماعي.

2- الغضب:(Anger) يمكن لمريض الإيدز الاحساس بالغضب والمرور بحالة من الاحساس بالذنب عندما يشعر بأن تصرفاته سببت له الاصابة بمرضه. وفي نفس الوقت يكون في حيرة وتردد في إخبار الآخرين عن حالته لأنه لا يعرف ماذا ستكون ردة فعلهم بسبب وصمة العار المرافقة للمصابين بهذا المرض في المجتمع.

3- المساومة:(Bargaining) يبدأ المريض بإدراك وجود المرض ويحاول التفكير في انتقاء الشخص المناسب لإخباره بهذا السر الذي يحمله والذي أثقل كاهله.

4- الاكتئاب:(Depression) بعد إدراك وجود المرض وأنه اكتسبه لا محالة، يمر المريض بفترة من الاكتئاب والاحباط لأنه يعلم أنه لا يوجد علاج لهذا المرض وإنما مضادات الفيروس القهرية تقلل من تناسخ الفيروس فقط. ويبدأ الشعور بالخوف من مضاعفات المرض ولا سيما الخوف من الموت. وفي نفس الوقت قد تتراوح في ذهنه أفكار انتحارية، لذلك يكون في أمس الحاجة للدعم الاجتماعي في هذه المرحلة.

5- التقبل:(Acceptance) وفي نهاية المطاف يبدأ المريض بتقبل مصيره ويعلم أن المرض ابتلاء من الله، ويحاول الاستفادة من الوقت الذي يتبقى لديه بالتوبة وفعل الخيرات.

وبالتالي، فإن الدعم الاجتماعي من الضروريات عند هؤلاء المرضى وهم بحاجة للتوجه إلى المستشارين الاجتماعيين وكذلك إلى التثقيف الصحي والتأكيد عليهم باتخاذ الاحتياطات والحرص على عدم نقل المرض للآخرين وعدم ممارسة الأنشطة المحرمة وحثهم على ممارسة حياتهم بطريقة طبيعية قدر المستطاع.

تعتبر الاستشارات الجماعية أو جلسات الاستشارة مع مجموعة من الأشخاص المصابين بنفس المرض من الوسائل الجيدة للدعم الاجتماعي. فبهذه الطريقة يستطيع المريض مشاركة الآخرين المشاكل التي واجهها عند بدء التشخيص وعند بداية أخذ العلاج وكيفية مقاومة الصعوبات التي ترافق هذا المرض سواء كانت آلاما أو زيادة في الالتهابات أو ضغوطا نفسية أو اجتماعية. فهذه المشاركة تزيد ثقة المريض من نفسه وتعطيه الأمل في محاربة المرض لأنه يعرف أنه ليس الوحيد الذي يعاني من هذا الداء وأنه لا يحاربه بشكل فردي، مما يساعده على ممارسة حياته بشكل أفضل.

بعض الاضطرابات النفسية المرتبطة بالإيدز:

الاكتئاب: (Depression)

يعتبر الاكتئاب من أبرز الأمراض النفسية التي يعاني منها مرضى الإيدز. وقد بينت إحدى الدراسات أنه يزيد تشخيص المصابين بفيروس الإيدز بالاكتئاب أكثر بمرتين إلى سبع مرات من الأشخاص من نفس الفئة العمرية الذين لا يحملون الفيروس. وهذا قد يرجع إلى عدد من العوامل مثل:

* الانعزال الاجتماعي.

* المعاناة من نقص التركيز وضعف الذاكرة مع تطور المرض.

* الشك في التشخيص.

* توقع مضاعفات المرض وتحري الموت.

* والأمور الأخرى كإخبار الآخرين بالتشخيص والاعتراف بالمرض، والخوف من وصمة العار.

وفي نفس الوقت قد يكون الاكتئاب أيضا من مضاعفات المرض وبسبب إصابة الدماغ ولكنه لا يمكن بالضبط تحديد السبب الرئيسي للاكتئاب، هل هو المرض بذاته أم الضغوط الاجتماعية التي ذكرت.

الهوس: (Mania)

ويُعرف أيضاً بالاضطراب الوجداني ويؤدي إلى اضطراب في المشاعر مثل العصبية وسرعة الاستثارة وكذلك اضطراب في السلوك والتفكير. وهو من الأمراض التي قد تظهر أيضا عند المصاب بفيروس الإيدز وخاصة عند إصابة الفص الأمامي من الدماغ. لكن الطريقة الفعلية لكيفية ظهور هذا المرض لا تزال غامضة.

القلق: (Anxiety)

على الرغم من أن عدة دراسات وجدت أن نسبة القلق متساوية بين المصابين بالفيروس وبين غير المصابين الذين لديهم نفس الممارسات الخطرة، فإن مرض القلق لا يزال من الأمراض التي يعاني منها حاملو الفيروس، ولا سيما في المراحل الانتقالية للمرض وعند انتقالهم إلى مرحلة الإيدز مثلا أو عند نقصان عدد الخلايا المناعية بشكل كبير ومفاجئ، أو عند فشل العلاج. لذلك قد يصف بعض الأطباء الأدوية المناسبة لمعالجة القلق في هذه المراحل وكما هو مناسب.

تأثير مضادات الفيروس على الأعراض النفسية:

قد يسبب علاج مضاد الفيروس القهري في بعض الأحيان ظهور أمراض نفسية كالاكتئاب، أو القلق، أو الأرق، أو الهوس. ويعتبر ذلك من التحديات التي يواجهها مرضى الإيدز، مما يجعل من الصعب الانتظام في أخذ العلاج و الاستمرار عليه.

وتعتبر هذه النقطة في غاية الأهمية و على الطبيب المعالج تهيئة المريض للتأقلم مع مثل هذه الحالات، فعليه شرح احتمالية حدوث بعض الأعراض النفسية وإعطاء المريض الحلول للتخفيف منها. وقد يلجأ بعض الأطباء إلى استشارة الطبيب النفسي لكي يتم وصف الأدوية المناسبة. أو قد يقوم بزيادة أو تغيير جرعة الأدوية النفسية السابقة التي كان يأخذها المريض، خاصة إذا كان المريض يعاني من مرض نفسي مسبق.

الاضطرابات العصبية الإدراكية المرتبطة بفيروس الإيدز:

قد يحدث عند حاملي فيروس الإيدز نقص في الإدراك، أو ضعف في الذاكرة، أو فقدان في التركيز، أو التعطل المعتدل في الحركة (Mild Motor Dysfunction). وهذه الأعراض عادةً ما تتوافق مع زيادة في عدد الفيروسات في الجسم ونقصان عدد الخلايا المناعية واللذين يعتبران مؤشرا على شدة المرض.

ومن الاضطرابات الإدراكية: الخرف المرتبط بفيروس الإيدز (HIV Associated Dementia) والهذيان (Delirium). والعوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بالاضطرابات الإدراكية هي كبر السن، ونقصان الوزن عن المعدل الطبيعي، ومقاومة الفيروس للعلاج.

وعلى الرغم من هذا الارتباط القوي بين الاضطرابات النفسية والإصابة بفيروس الإيدز، إلا أن الطريقة المحددة لكيفية تكون هذه الأعراض لا تزال غامضة. ومن الأمور التي تشوش معرفة المسار لكيفية ظهور الأعراض النفسية: أولاً ان العديد من المصابين بفيروس الإيدز لديهم تاريخ مسبق باستخدام المخدرات التي أدت إلى تلف بعض الخلايا الدماغية، ثانياً أن العديد منهم لديه مرض نفسي مسبق. فلذلك نحن بحاجة إلى المزيد من البحث في هذا المجال لمعرفة العلاقة المباشرة بين الإصابة بفيروس الإيدز والإصابة بالأمراض النفسية.

الآثار النفسية والاجتماعية على عائلة المريض:

يعتبر مرض الإيدز من الأمراض التي تؤثر على جميع أفراد العائلة، فوجود فرد مصاب يزيد من احتمال وجود فرد آخر مصاب في نفس العائلة لم يتم تشخيصه بعد. وأيضاً، اكتشاف وجود هذا المرض في أحد أفراد العائلة يسبب صدمة كبيرة على باقي الأفراد لأنه يؤشر إلى أن هذا الفرد المصاب قد مارس نشاطات مخلة بالأخلاق مما يسبب له الحرج أمام أسرته، وفي نفس الوقت قد تغضب الأسرة عليه لأنه أدخل هذا المرض إلى البيت وقد يظنون أنه سينقل إليهم المرض لا محالة. ونجد أن العديد من المصابين يعزمون على عدم إخبار أسرهم عن تشخيصهم بالمرض خوفاً من هذه العواقب.

وبالطبع هناك خسارة اقتصادية مترتبة على هذا المرض أيضاً، حيث أن فقدان الممول المالي للعائلة يخلق عبئا كبيرا على العائلة وعلى المجتمع ككُل.

ولذلك يجب توجيه هؤلاء المرضى إلى المستشاريين الأسريين لكي يبين لهم طرق إخبار الأسرة بهذا الخبر وكذلك أخذ الحيطة والحذر كي لا ينتقل أي سائل من سوائل جسم المصاب إلى جسم الشخص السليم. وفي نفس الوقت يجب توضيح المفاهيم الخاطئة عن طرق انتقال الإيدز إلى سائر أفراد الأسرة حتى لا يشعر المريض بالانعزال والوحدة.

يتضح مما سبق أن حجم الآثار النفسية والاجتماعية لمرض الإيدز يجعل الاهتمام بها من الأمور المحورية عند وضع خطط وقائية. واحتواء هذه الآثار والتقليل منها، سواء أكانت وصمة العار أم القلق أم الاكتئاب أم عدم القدرة على التأقلم مع المرض، تجعل المصاب بفيروس الإيدز يحارب مرضه ويمارس حياته بشكل أفضل بمشيئة الله.=

@ معيدة، قسم طب الأسرة والمجتمع

كلية الطب، جامعة الملك سعود