Saturday, December 27, 2008

صرخة المتعايشين مع الايدز..لماذا ممنوع الاقتراب


[26/ديسمبر/2008]

صنعاء – سبأنت : تحقيق: جهاد البابلي
"منعوني من دخول المسجد لأداء الصلاة".. بصوت يملؤه الحزن وسيل من الدموع غمرت لحيته البيضاء ووجهه المليء بتجاعيد حفرتها ستون عاما مضت من عمره، ردد أحد المتعايشين مع الإيدز الذي أصيب نتيجة نقل دم ملوث بالفيروس تلك الكلمات كتعبير صادق عن ما يعانيه المتعايش من وصمة وتمييز من المجتمع ، كان أثرها عليهم أشد ألما من تبعات الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز اتش اي في.
ويعرف الإيدز الذي يلازم أكثر من أربعين مليون شخص عالميا بأنه فيروس يصيب جهاز المناعة ويعطله فيعجز الجسم عن مقاومة أي مرض مهما كان بسيطا ويعرف بنقص المناعة المكتسبة / اتش آي في / HIV.
حيث ينتشر الفيروس في كل سوائل جسم المصاب بكثافة مختلفة ولا ينتقل إلا عبر الدم والإفرازات الجنسية الأنثوية والذكورية وحليب الرضاعة من الأم.
ومع وضوح الإحصائيات العالمية تفيد الإحصائيات الوطنية أن معدل الإصابة في بلادنا يصل إلى مادون (واحد في المائة) ضمن الكثافة السكانية العامة، ويظل عدد المصابين بالفيروس غير معلوم على وجه الدقة بسبب غياب المعطيات الموثوقة والافتقار إلى نظام رصد وبائي مناسب.
التكتم والسرية وصعوبة البحث.
لم يكن العثور على بعض المتعايشين مع الإيدز وإقناعهم بسرد قصص معاناتهم مع المجتمع وسط التكتم والسرية والحذر الشديد الذي يحيطون أنفسهم به، بالأمر السهل.
السطور التالية يرويها بعض المتعايشين مع الإيدز الذين يرسمون جزء من ملامح المعاناة التي يعيشونها.
المعاناة الأولى .. تبدء قصة معاناة هذا المصاب بأجراء عملية جراحية له أثر مرض الم به بعد أن بلغ الستين عاما واحتاج إلى نقل دم فتبرع له احد أقاربه (الذي كان مغتربا في احد دول الجوار ولم يكن يعلم بأنه مصاب بالإيدز) ليكتشف فيما بعد أنه مصاب بالفيروس.
ويضيف قائلا:" انتشر خبر إصابتي بين أهالي القرية التي اسكن فيها، ومنعوني من دخول المسجد لأداء الصلاة خوفا من انتقال المرض إليهم ".
المعاناة الثانية.. يقول متعايش أخر، أن أعيان القرية التي يسكن فيها قرروا طرده مع زوجته من القرية لأصابتهم بالفيروس إلى مغارة بأحد الجبال.
ويضيف :"بعد فترة توفيت زوجتي نتيجة الظلم والقسوة التي تعرضت لها من المجتمع".. مؤكدا أن سبب الوفاة لم تكن الإصابة بالفيروس حيث اثبت العلم إمكانية أن يعيش حامل الفيروس لفترة طويلة قد تمتد إلى عشرين عاما.
المعاناة الثالثة.. يقول متعايشين أخر مع المرض، أن أبناءه منعوه من العيش معهم في العمارة السكنية التي يمتلكها.. ويضيف بحسرة والم:" لقد تنكروا مني واخذوا مني العمارة المكونة من خمسة ادوار ووضعوني في دكان (غرفة) صغيرة دون أي رعاية حتى الطعام كانوا يمدوني به من تحت الباب.. بإختصار لقد عاملوني كحيوان منبوذ ".
المعاناة الرابعة.. يحكي متعايش أخر، قصته مع التمييز والمعاناة التي لقيها وزوجته المصابة، من المجتمع وخاصة الكادر الطبي (الذي اقسم اليمين بأن يقدم كل الرعاية الصحية للمريض بدون تمييز) والذي اعتبره من أكثر شرائح المجتمع تمييزا ضد المتعايشين مع الإيدز.
ويلخص حكايته بقوله:" أن ثلاثة مستشفيات تردد عليها الواحد تلو الأخر رفضت توليد زوجته المصابة بالفيروس بعد أن اطلع الطاقم الطبي بحالة زوجته المرضية".
ويضيف:" أحترت وتساءلت أين أذهب بزوجتي وهي في حالة وضع صعبة،وهل ذنبي أني اطلعت الفريق الطبي بحالة زوجتي المرضية "حرصا عليهم "؟!!
ويستطرد قائلا : " فلجأت إلى مستشفى أخر ولم أطلع المعنيين بالوضع الطبي لزوجتي، فتمت الولادة بشكل طبيعي وخرجت مع زوجتي وطفلي ".
ويصرخ بصوت مرتفع وقد ظهرت عليه علامات الغضب والسخط:" إذا كنت أتلقى هذه المعاملة في ظل غياب قانون يحميني.. ما هو الذي تتوقعه مني..!! وما هو تأثير ذلك على نفسيتي.. ويجيب على تساؤله قائلا:" بالطبع سيتحول سلوكي إلى عدواني وانتقامي وسأحاول نقل المرض إلى المجتمع.
المعاناة الخامسة.. يصف رئيس جميعة الرعاية التكاملية للمتعايشين مع الإيدز (ابوعلى/ متعايش) نظرة المجتمع إلى المتعايشين بأنها" سيئة جدا".
ويقول : "إن بعض الأشخاص الذين يعيش معهم يرفضون حتى مصافحته ". ولفت أبو على إلى انه لجأ مع زملائه المتعايشين إلى إنشاء الجمعية كتعبير و"صرخة" ضد المعاملة السيئة والتمييز الذي يلقاه المتعايش من المجتمع، فضلا عن تقديم كامل الدعم والمساندة للمتعايشين الجدد (الذين يخفون إصابتهم خوفا من نظرة وتعامل المجتمع القاصرة) .
وقال: تعمل الجمعية على تغيير المفاهيم المغلوطة لدى المتعايش بالإيدز حتى يتقبل إصابته ويدرك أن الإيدز مرض مزمن لا يشكل أي خطر في حال الاستخدام والالتزام الكامل بالأدوية المضادة للفيروس وكذا الالتزام بالوقاية وعدم التعرض للإصابة مرات أخرى.
مطالبا بضرورة وجود إطار قانوني يحمي المتعايشين مع الايدز ويمنحهم الحق في الحياة الكريمة والصحة والعلاج والعمل والسكن ويمنع التمييز ضدهم.
أرفض التعامل مهم:
وحول التعامل مع المتعايشين مع الإيدز ومدى قبول ورفض الاخرين التعامل معهم، يرفض الدكتور نبيل غسان التعامل معهم رفضا قاطعا..مهما كانت اسباب وطرق الاصابة.
ويرجع ذلك الى خوفة الشديد من العدوى بالرغم من معرفته بطرق انتقال المرض واستحالة اصابتة بالفيروس.
ويتفق معه الدكتور محمد علي مستغربا عدم وضع المصابين في حجر صحي لوقاية المجتمع من خطر الاصابة حسب قوله..!! معتبرا ان الايدز غضب الله
على عبادة المخطئين، متناسيا أنه مرض قد يصاب به في احد الأيام دون ان يدري، حتى لو عبر انتقال الدم.
فيما يصاب، يحيى جابر (صحفي) بالتوتر والقلق لدى سماعه عن اي شخص مصاب بالايدز ويصاحب توترة النفسي رفض مصافحة اي شخص علم انه صافح احد المتعايشين مع الايدز.
رفض التعامل مع المتعايشين من الطبقة المثقفة وجهلهم بطرق انتقال المرض دفعهم الى تجاهل دروهم الانساني في قبول المصاب بالايدز.
قانون لحماية المتعايشين:
وبحثا عن إجابات ملحة عن الدور المجتمعي للتخفيف من معاناة المتعايشين مع الايدز والأطر القانونية التي تمنحهم الحق في العيش بدون ملازمة النظرة الرافضة والدونية من المجتمع يفصح رئيس جمعية برلمانيون يمنيون للوقاية من الايدز وحماية حقوق المتعايشين مع الفيروس البرلماني الدكتور عبد الباري الدغيش إن التمييز الذي يمارس ضد المتعايشين مع الايدز ووصمة العار التي تلاحقهم في المجتمع وانتهاك حقوقهم الإنسانية كالفصل من وظائفهم أو نبذهم من أسرهم أو أقربائهم والمجتمع المحيط بهم يحتم وجود قانون يعمل على وقاية المجتمع من الاصابة ويحمي حقوق المصابين بإعتبار أن مرض الايدز ليس قضية صحية فحسب بقدر ما هو مشكلة اجتماعية وإنسانية وحقوقية وتنموية.
مؤكدا انه سيتم قريبا بمجلس النواب مناقشة مواد مشروع قانون خاص"بوقاية المجتمع من الايدز وحماية المتعايشين مع الفيروس" قبل إقراره ومصادقة رئيس الجمهورية عليه..
لافتا إلى أن القانون مر بعدة مراحل حيث تم إقراره من حيث المبدأ وهو" كمشروع" وقد أحيل إلى اللجنة الدستورية بمجلس النواب وكذا لجنة الصحة والسكان التي ناقشته تفصيليا.
ويشير مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز الدكتور عبد الحميد الصهيبي إلى إن البرنامج سجل خلال النصف الأول من العام الجاري مائة وثمانية حالة جديدة، وتشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن البرنامج أن عدد المصابين بفيروس الإيدز ببلادنا بلغ منذ تسجيل اول حالة عام 87 م وحتى سبتمبر الماضي 2491 حالة.
ونوه الصهيبي إلى أن البرنامج نفذ بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة حملات توعية وتثقيف خلال الفترة الماضية استهدفت 316 الف و308 اشخاص من مختلف فئات المجتمع خاصة الشباب والطلاب والعاملين الصحيين والفئات الأكثر عرضة للإصابة بالعدوى ومن يمارسون سلوكيات محفوفة بالمخاطر.
وقال:" أن ذلك يأتي ترجمة عملية للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإيدز التي أقرت العام 2002م من قبل الحكومة والتي مثلت بداية جادة ومكثفة للمساهمة لمكافحة فيروس الإيدز الذي دخل مرحلة جديدة بأثرة ومضاعفاته وتفاقم خطره على الشعوب من خلال تزايد أعداد المصابين بعدوى فيروسه".
ولخص الأنشطة التوعوية والتثقيفية من خلال خدمات الخط الساخن(175) حيث بلغ عدد المواطنين الذي تواصلوا عبره 4549شخصا كما تم توزيع أكثر من 160 ألف نسخة من الكتيبات والبروشورات والملصقات على مختلف محافظات الجمهورية وعمل الإعلانات وتنفيذ برامج تثقيف الأقران بمحافظات تعز وعدن والحديدة بتمويل من منظمة اليونيسيف للتوعية بطرق انتقال المرض
أنشطة إقليمية:
ممثل البرنامج الإقليمي للإيدز في الدول العربية "هار باس" فؤاد الصبري قال:" أن البرنامج نفذ عدد من الدورات التدريبية للإعلاميين انطلاقا من دور الإعلام في نشر وخلق توعية مجتمعية لرفض النظرة القاصرة
للمتعايشين وإيجاد قاعدة معلوماتية صحيحة عن طرق انتقال المرض بهدف التقليل من الوصمة والتمييز التي تصاحب المتعايش مع الفيروس مما تؤثر سلبا على المصاب والمجتمع.
مضيفا أن البرنامج شارك في تنظيم ورشة العمل الوطنية لتطوير التشريعات للوقاية من الإيدز وحماية المتعايشين معه والتي عقدت بصنعاء منتصف العام الجاري وافتتحها نائب رئيس مجلس النواب أكرم عطيه.
وخلصت الورشة بمسودة مشروع قانون للوقاية من الإيدز وحماية حقوق المتعايشين مع المرض ومعروضة حاليا على مجلس النواب ليصبح ثاني قانون تصدره دوله عربية بعد دولة جيبوتي.
دراسات ميدانية:
تشير دراسة ميدانية نفذها برنامج (البناء من الأساس لمكافحة الإيدز ) بالتعاون مع ملتقى المرأة للدراسات والتدريب بدعم من منظمة بروجرسيو البريطانية العاملة في بلادنا في هذا المجال في أربع محافظات لقياس الخلفية المعرفية بالفيروس والسلوكيات والتوجهات ذات العلاقة به أن 10 في المائة من إجمالي المبحوثين لم يسمعوا بالفيروس مقابل 20في المائة سمعوا به منذ عشرين عاما و49 في المائة سمعوا به منذ عشر سنوات و13في المائة سمعوا به من فترة لم يتمكنوا من تحديدها.
والمحت الدراسة التي نفذت منتصف العام الجاري واستهدفت 35 % من الإناث و65% من الذكور متوسط أعمارهم 31 عام أن الإعلام يلعب دور أساسي في التوعية بالايدز حيث حصد التلفزيون 28% مقابل 17 % للإذاعة و14% للصحف، واستغربت الدراسة عدم سماع المستهدفين عن الفيروس من المراكز الصحية.
وبحسب تحليل معلومات الدراسة تفيد ان مستوى الوصمة والتمييز مازالت مرتفعة حيث تعكس الجهل الصحي بالتوعية بالمرض وطرق انتقاله وأهمية عدم رفض المصابين به.
وأكدت الدراسة أن 70% لم يفحصوا طوعيا للكشف عن الفيروس فيما بادر 26% بالفحص للكشف عن الفيروس اغلبهم لدى تبرعهم بالدم لصديق او عزيز والقليل منهم بدافع التأكد من الخلو من الفيروس.
وارجع 21% عدم مبادرتهم بالفحص لجهلهم بالأماكن الصحية التي تقدم خدمات نوعية لهذا المرض .
لم ننتهي من رسم ملامح المعاناة التي يعيشها المتعايشين مع الإيدز وأعترف بأني وجدت صعوبة في التقرب منهم والتعرف عليهم ومحاورتهم نتيجة الصورة النمطية والمعرفة غير المكتملة عن مرض الإيدز والاعتقاد الخاطئ لدى الكثير من الناس بأن المرض ينتقل حتى عن طريق مصافحة المصابين به نتيجة بعض الرسائل الإعلامية الخاطئة التي تعاملت مع المصابين به كمجرمين يجب إلقاء القبض عليهم ونبذهم وعدم التعامل معهم، متناسين بأنهم "مرضى" وواجب علينا "دينيا" و"إنسانيا" تقديم الدعم والرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية لهم حتى لا يتحولوا إلى قنابل موقوتة تنفجر بين أفراد المجتمع الذي نبذهم وأعتبرهم عارا يجب التخلص منه.
....


سبأ