Friday, November 28, 2008

ضحكة مارسيل


إبراهيم العريس الحياة - 29/11/08//
هل كان في وسع أحد غير مارسيل غانم، أن يقدم حلقة كاملة، تستغرق أكثر من ساعتين، عن داء «السيدا» أو «الايدز»، تقول هذا المرض وانتشاره، في لبنان، وأحياناً في الشرق الأوسط، من دون أن يتّسم برنامجه بالملل والكآبة؟ في «كلام الناس» جرؤ غانم على فعل ما لا يستطيع غيره أن يفعله: دنا من وباء نقصان المناعة، دخل الى السجون، رصد أحوال مساجين مصابين بالداء، ثم خرج من السجون الى رحابة الحياة ليرصد هنا أيضاً، حالات معينة، مآسي إنسانية، حيوات دُمّرت، أزواجاً تحطموا، أطفالاً ماتوا، بيوتاً خربت، وآمالاً تلاشت... كل هذا قدمته حلقة مارسيل غانم، لكنها قدمته بشفافية إنسانية، وجرأة، وصلت في لحظات الى تأكيد مارسيل غانم ضحكته الشهيرة، حتى وسط الآلام والدموع. والحقيقة أن الذين كانوا في الماضي ينتقدون غانم لضحكته المجلجلة حتى في حلقات كانت هذه الضحكة تبدو فيها طبيعية، لم يسعهم مع حلقة «السيدا» أن يواصلوا انتقادهم، استسلموا تماماً أمام الخيار الذي سعى إليه الإعلامي الشهير: خيار أن يقدم الألم و «التابو» من دون ميلودراما، أو عواطف مفرطة.ذلك أن غانم آثر هنا أن يسير على هدى ما قاله بعض ضيوفه، من مرضى ومعالجين، من أن «السيدا» هو داء مثل أي داء آخر، لا أكثر ولا أقل. وأن المطلوب، بدلاً من الموت قبل الموت، التعايش مع المرض ومواصلة الحياة على رغم كل شيء. هذا ما قاله الضيوف، وهذا ما قاله المصابون... وهذا ما استخلصه مارسيل غانم، محولاً حلقته الى باب فسيح مشرّع أمام الحياة. والإعلامي الكبير، من أجل دعم فكرته هذه، استضاف أطباء واختصاصيين ورجل دين ومسؤولاً حكومياً، «لعبوا» معه اللعبة، جميعاً، لا سيما منهم الدكتورة رلى حصين، التي أضفت على الحلقة بعداً طبياً طيباً، بهدوئها وقدرتها على ضبط إيقاع العلاقة بين المرض وعلاجه، وتوقعات المشاهدين. والحقيقة أن هذا كله، أضفى على الحلقة أبعاداً عرف مارسيل غانم كيف يوظفها في شكل جيد: أي في أكثر من ساعتين تلفزيونيتين أكدتا مرة أخرى، أن التلفزيون يمكن أن يكون في خير، إن عرف كيف يكون ذكياً، جريئاً، خارقاً للمحاظير، فقط من أجل الإنسان والأمل.صحيح أن موضوع الحلقة لم يعط مجالاً كبيراً، لترداد ضحكة مارسيل، غير أن المناسبات التي اندلعت فيها بين الحين والآخر، أكـــدت أن معرفة الإعلامي بالكيفية التي يوظف بها ضحكته، التي أتت هنا محتـــشمة وفي مكانـــها تماماً، هي جزء من اســتراتيجية، تجعل كل العناصر متكاملة، لتقديم عمل طيب، مميز، مدهش، ولو كانت السيدا والموت والسجون موضوعه.